4 عادات تؤثر على توازنك العاطفي... تعلّم كيف تتجنبها

بين المشاعر والأفكار والجسد... رحلة لفهم الذات وتهدئة العاصفة الداخلية.

المقالات

مصطفى حمد

4/13/20251 min read

هل شعرت يومًا أن مشاعرك خرجت عن السيطرة؟ كأنها موجة عاتية، حزن أو قلق أو غضب يجتاحك فجأة، ويتركك في حالة من الإرباك أو الإنهاك؟ إذا كانت الإجابة نعم، فأنت لست وحدك.

يعاني الكثير من الناس من شدة عاطفية تبدو أحيانًا غير مبررة، لكن ما يغيب عن بالنا غالبًا هو أن المشكلة لا تكمن في المشاعر نفسها، بل في كيفية استجابتنا لها.

فيما يلي أربع عادات شائعة تؤدي إلى تفاقم الحالة العاطفية وتجعلنا نشعر بفقدان السيطرة، ومع كل عادة، نقدم اقتراحات عملية لتفاديها مدعومة بقصة واقعية.

1. لا تصدر أحكامًا على مشاعرك

كثيرًا ما نربط بين شعورنا بالحزن أو القلق وبين الضعف أو الفشل. نعتقد أن هناك "مشكلة" فينا إن شعرنا بالغضب أو الانزعاج. ولكن الحقيقة أن المشاعر ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، بل هي رسائل داخلية تحاول لفت انتباهنا إلى شيء نحتاجه أو نفتقده. الخوف، مثلًا، قد يكون إشارة لوجود خطر أو عدم يقين، والغضب قد ينبع من شعور بانتهاك حدودنا.

ما يجعلنا نعاني من صعوبة مع مشاعرنا أحيانًا ليس طبيعتها، بل الطريقة التي نعاملها بها. عندما نحكم عليها بانها سيئة، فسوف نحاول كبتها أو تجاهلها، مما يجعلها تتضخم وتعود بقوة أكبر. في المقابل، عندما نتقبلها كما هي، دون تصنيفها أو مقاومتها، فهذا يمكن أن يقلل من تأثيرها ويمنحنا مساحة لفهمها والتعامل معها بوعي.

سارة، موظفة شابة، شعرت بالإرهاق والقلق في نهاية كل يوم عمل. بدأت تظن أنها تعاني من خطب ما، وأنها ضعيفة نفسيًا. لكن بعد ان تعرفت على هذه الحقيقة، أدركت أنها لا تعاني من مشكلة، بل مجر ضغط عمل عالٍ، لقد كانت تحكم على نفسها بقسوة بدلًا من تقبّل قلقها كعلامة صحية على حاجتها للراحة. ما إن توقفت عن لوم نفسها، بدأت تشعر براحة داخلية وتوازن أكبر.

نصيحة: بدلًا من الحكم على مشاعرك، لاحظها وتقبّل وجودها دون مقاومة. قل لنفسك مثلًا: "أنا أشعر بالتوتر الآن، وهذا طبيعي"، وراقب كيف يتغير شعورك عندما تمنحه مساحة للتنفس.

2. لا تصدّق كل فكرة تخطر ببالك

عقولنا تنتج آلاف الأفكار يوميًا، بعضها مفيد، لكن الكثير منها عشوائي، مبالغ فيه، أو غير منطقي. المشكلة أننا نعامل كل فكرة وكأنها حقيقة مطلقة، فنتمسك بها، ونمنحها معنى أكبر مما تستحق، مما يفتح بابًا واسعًا للقلق والمعاناة.

الكثير منا يمر بلحظات يصل فيها إلى ذروة الإحساس، فتخرج العواطف عن السيطرة، وتتحول إلى عاصفة من الألم والحزن. ذلك يحدث غالبًا لأننا نصرّ على أن كل ما يخطر في أذهاننا له مغزى عميق أو دلالة خطيرة، فنجد أنفسنا في دوامة من التفكير المتواصل بسبب فكرة عابرة، أو شعور مؤقت، أو ذكرى قديمة.

ننسى أن الذهن البشري، رغم قدرته على الإبداع، ينتج أيضًا أفكارًا عجيبة وغريبة لا تستحق سوى التجاهل. غالبًا ما تكون أفكارنا مجرد ضوضاء ذهنية عشوائية، ونحن من يمنحها الأهمية حين نبدأ في نسج القصص حولها وتحميلها أكثر مما تحتمل.

فهذا علي، راودته فكرة عابرة أثناء قيادته للسيارة: "ماذا لو فقدت السيطرة على المقود؟". أصيب بالذعر وظن أن هذه الفكرة تعني أنه مريض نفسي أو على وشك الانهيار. لاحقًا، عرف أن هذه الأفكار شائعة ومجرد نشاط دماغي لا يعكس نية حقيقية أو خطر فعلي.

نصيحة: عندما تراودك فكرة مزعجة، اسأل نفسك: "هل هذه الفكرة حقيقة أم مجرد افتراض؟". لا تندفع خلف كل ما يخطر في بالك. درّب نفسك على ملاحظة أفكارك كأنها غيوم عابرة في السماء، لا أكثر.

3. لا تعتمد كليًا على الآخرين للراحة النفسية

من الطبيعي أن نلجأ للآخرين في لحظات الضعف، لكن الاعتماد المفرط عليهم يجعلنا أكثر هشاشة. فعندما يغيب الدعم، نشعر بالعجز أمام مشاعرنا.

مثلما كانت تفعل ريم، حيث اعتادت أن تفرغ كل مشاعرها لصديقتها المقربة بعد كل موقف مزعج. لكن حين سافرت تلك الصديقة، أصبحت ريم تشعر بالوحدة والضياع. بدأت تدريجيًا في تعلم التهدئة الذاتية بالكتابة والتأمل، ولاحظت أن مشاعرها لم تعد خارج سيطرتها كما كانت.

في الوقع، هذه هي الطريقة التي تعودنا على التصرف بها منذ صغرنا وتربينا على العمل بها عند مواجهة صعوبات الحياة – أما اب داعم او صديق مقرب او حتى مقدم رعاية نفسية أو اجتماعية متعاطف نرتاح عند اللجوء اليه في حال الشعور بالضيق. فنتخذ من الطريقة التي يتعاملون بها مع عواطفنا المؤلمة نموذجاً لكيفية تعاملنا نحن معها بعد نضجنا او في الأوقات التي لا يكونون متواجدين بجانبنا فنضطر الى التعامل معها بأنفسنا.

وهذا امر طبيعي، ولكن، ولسوء الحظ، فإن عملية النضج المثلى تنحرف في بعض الأحيان. ولمختلف الأسباب، فيتعطل تعلم تهدئة الذات وإدارة الصراعات العاطفية بشكل فعال.

نصيحة: تعلّم تهدئة نفسك بنفسك. ابدأ بخطوات بسيطة: تنفّس بعمق، اكتب ما تشعر به، أو مارس تمرينًا جسديًا خفيفًا. مع الوقت، ستبني قدرة داخلية على المواجهة.

4. لا تهمل جسدك

نمط حياتك الجسدي يؤثر بشكل مباشرة على توازنك العاطفي. النوم غير الكافي، التغذية السيئة، وقلة الحركة، كلها عوامل تزيد من اضطرابك العاطفي.

فهذا سامي، كان يستيقظ متأخرًا، يشرب القهوة بدل الإفطار، ويتناول وجبة سريعة في منتصف اليوم، ويشكو دائمًا من التوتر والتقلبات المزاجية. بعد أن غيّر نمط أكله وبدأ يمشي 20 دقيقة يوميًا، لاحظ تحسنًا كبيرًا في مزاجه وقدرته على التعامل مع الضغوط.

بصراحة، اغلبنا لديه فهم خاطئ للعلاقة بين الجسد والعقل، فمنذ القدم ركزنا على ان لكل انسان عقل وجسد منفصلين عن بعضهما، بل قد يعتقد البعض بأسوأ من هذا، وه ان العقل في مقابل الجسد. وهذا الخطأ في اعتقادي ناشئ من سوء فهم للمقولات الفلسفية والدينية مثل "العقل فوق المادة" او "كل شيء هو العقل".

لكون هذه المقولات لا تتكلم عن الانفصال التام بين العقل والجسد، ولا تنفي وجود ترابط او تأثير متبادل بينهما، بل من المعروف والمشهور في ثقافتنا الإسلامية ان: "العقل السليم في الجسم السليم".

نصيحة: احرص على أساسيات العناية الذاتية: نم جيدًا، تحرك يوميًا، وتناول طعامًا متوازنًا. عقلك لا يستطيع العمل بكفاءة إذا كان جسدك منهكًا.

خلاصة

لكي تشعر بأنك أكثر توازنًا وثباتًا أمام عواطفك، لا تبحث عن حلول سحرية. ابدأ بتغيير العادات التي تؤجج تقلباتك الداخلية:

· توقف عن إصدار الأحكام على مشاعرك.

· لا تصدّق أفكارك بشكل أعمى.

· لا تتكل على الآخرين دومًا لطمأنتك.

· اعتنِ بجسدك بانتظام.

التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه يبدأ بخطوة صغيرة واعية. وكل خطوة في هذا الاتجاه تقرّبك من السلام الداخلي الذي تستحقه.