ابدأ رحلة الوعي الذاتي من هنا

ثلاث نقاط انطلاق عملية لتنمية الوعي الذاتي، مع خطوات تطبيقية وتمارين يومية

مصطفى حمد

4/1/2025

جميعنا يسمع عن أهمية الوعي الذاتي، ولكن نادرا ما نسمع أحد يشرح لنا كيفية اكتساب وعي ذاتي، فاغلبنا نفتقر الى نقطة بداية حقيقية ننطلق منها للتطوير وتعزيز معرفتنا بأنفسنا وأدراك صورتنا في اعين الاخرين.
فيما يلي ثلاث نقاط او ثلاث تمارين بسيطة، تستطيع من خلالها إيجاد نقطة انطلاق حقيقية نحو وعي ذاتي أفضل..
1- ارسم خطاً زمنياً لحياتك.
- ضع ورقة بشكل افقي.. وارسم خطأ من الجانبي الأيمن الى الجانب الايسر.
- قسم هذا الخط الى مناطق بحسب اهم مراحل حياتك (قد تكون احداثاً كبيرة وبارزة مثل: التخرج من الجامعة او الزواج، ويمكنها ان تكون احداث صغيرة ولكن تحمل معنى وتأثير خاص محادثة استثنائية مع صديق أدركت فيها بعض الحقائق.
- خصص نصف ساعة لملء الجدول الزمني على أكمل وجه ممكن.
الان، بمجرد الانتهاء من رسم الخط الزمني لحياتك اسأل نفسك الأسئلة التالية:
1- ما هو شعورك وانت ترسم الخط الزمني لحياتك؟
2- مانو ع الأفكار التي راودتك اثناء عملك على ذلك؟
3- ما الذي تفاجأت به اثناء الرسم؟
4- هل هناك نمط سائد من التفكير او المشاعر في كل او اغلب مراحل حياتك؟
5- إذا كان عليك اختيار حدث واحد تعتبره أكثر أهمية من بين جميع احداث حياتك، فماذا ستختار؟ ولماذا؟
6- ما الذي ينقص الخط الزمني لحياتك؟ (جعلت هذا السؤال عام عن قصد لكونه يحتمل الكثير من التفسيرات).
دور الخط الزمني في فهم الذات
هناك العديد من الطرق لجعل هذا التمرين نقطة انطلاق في رحلة وعيك الذاتي، لكن من واقع خبرتي أفضل الطريقة التالية:
المنظور العام: ان وضع حياتك بأكملها على قطعة ورق واحدة يتيح لك زاوية نظر ترى من خلالها حياتك بشكل عام من منظور ربما يختلف تماماً.
المنظور الخاص: ننشغل معظم الوقت في أيام حياتنا بأمور جزئية كتوصيل الأطفال الى المدرسة او تنظيم دفع المستحقات المالية، لذا من المفيد جداً ان نرفع رؤوسنا الى الأعلى بين الحين والأخر للنظر الى حياتنا بما هي جزء مرتبط بالكل، ونعي موقعا ضمن الصورة الكلية، أي النظر الى الأشجار بما هي جزء من الغابة لا كونها مجرد أشجار منفردة.
هذا التصور الكلي للأحداث المنفردة -إذا اخذناه على محمل الجد- سوف يفتح لرؤيتنا افاقاً جديدة عن أنفسنا والطريقة التي تسير بها حياتنا.
وبطبيعة الحال، هذا التمرين بصيغته الحالية يكون أكثر فائدة في فهم أنفسنا، أي في تطوير وعينا الداخلي، فاذا أردنا الاستفادة منه في تعزيز وعينا الخارجي، أي كيف يرانا الاخرون، علينا تعديل صيغة ممارسة التمرين قليلا كالتالي:
· شارك تطبيق هذا التمرين مع شخص اخر، كان يكون صديق او أحد افراد العائلة الموثوقين.
· ليرسم كل منكما خط حياته الزمني على انفراد.
· ثم ليرسم كل منكما الخط الزمني لحياة الاخر كما يراه هو، ليحاول كل منكما رسم الخط الزمني للاخر بأفضل ما يمكنه وكما يعتقد هو لا الاخر.
· الان، ليقارن كل منكما ما رسمه مع ما رسمه الاخر.
· قم بمناقشة الملاحظات والاختلافات بين الرسمين.
شاهد فيديو قصير عن الخط الزمني
2- ما يزعجك في الاخرين.
اغلب الأحيان نتمكن من تعلم الكثير عن أنفسنا عن طريق ملاحظة الأمور التي تزعجنا أكثر في الاخرين.
جرب هذا:
- افتح ملاحظة جديد في تطبيق الملاحظات على جوالك، وعنونها بـ (تتبع الانزعاج).
- دون فيها كل مرة شعرت فيها بالانزعاج طوال اليوم (حاول تدون ما يزعجك بأسرع وقت ممكن).
- استمر في التدوين لبضعة أسابيع.
- بعد انتهاء المدة، خصص 30 دقيقة، حضر لنفسك كوب من الشاي او القهوة، وجاول تحليل قائمة الانزعاج التي دونتها.
إذا اردت منهجية بسيطة تساعدك في المراجعة والتحليل، فاسأل نفسك هذه الأسئلة:
1- ما هي الأنماط المتكررة التي يمكن ملاحظاتها؟
2- ما هو شعورك وانت تراجع قائمة الانزعاج؟
3- ما هي الأمور التي تتوقع ان يدونها الاخرون عنك في قائمة انزعاجهم؟
4- في الغالب يكون سبب الانزعاج هو انها تصرفات تخالف توقعاتك، اسال نفسك: ماذا كنت أتوقع او ما هي افتراضاتي التي خالفها ذلك الموقف؟
5- قد يكون سبب بعض الازعاجات هو انها شعور بالاستياء منعكس عن عدم ثقتنا بأنفسنا بشأن ما نريد وما لا نريد، لذا، يمكنك سؤال نفسك في كل ازعاج: ما هي فرصة الحزم التي يوحي بها هذا الانزعاج؟
تحليل الانزعاج لفهم نفسك
المنظور العام: يكون هذا التمرين مفيدا لأنه سيمكنك من توقع المواقف الصعبة وكيفية التعامل معها بطريقة جيدة، لامتلاكك خزين من المواقف التي مررت بها على مدى عدة أسابيع.
المنظور الخاص: التعرف على المواقف المزعجة وموجهتها بكل صراحة سوف يجبرك برفق على التعرف على دورك في الازعاج. وعلى وجه التحديد تبدأ بملاحظة الأشياء التي تزعجك من الاخرين -اغلبها وليس جميعها بالتأكيد- هي في الواقع أشياء تزعجك في نفسك، الا أنك تتردد في الاعتراف بها او القيام بشيء بشأنها.
فما يزعجنا في الاخرين يشير غالباً الى ما لا نحبه في أنفسنا.
وعلى الرغم من عدم ارتياحنا من هذا الامر، ولكنه يعتبر الخطوة مهمة في وعي ما لا نحبه في ذواتنا بقدر أهمية فهم ما نحبه فيها.
شاهد فيديو قصير عن الانزعاج من الاخرين
3- طلب ردود فعل مدروسة.
لا أحد منا يخلو من نقاط ضعف، وفي الغالب لا نراها بسبب تحيزاتنا الذاتية، الا انها تكون واضحة تماما للأخرين، هذا يعني ان طلب أراء الاخرين يعتبر بشكل بديهي أحد الطرق المهمة لزيادة وعينا بذواتنا.
وحتى مع ادراكنا لهذه الأهمية، نادرا ما تجدنا نطلبها، هل تعرف لماذا؟!
في اعتقادي، أحد اهم الأسباب لعدم طلبها هو: ان اغلب الأشخاص لا يقدمون الملاحظات بشكل جيد، سواء عند طلبها او تقديمها تبرعاً او تلقيها.
فتقديم ردود الفعل او التعليقات بأسلوب وطريقة مناسبة موضوع شائك يطول الحديث والمناقشة فيه، ولكن اليك النسخة المبسطة منه بهذه العبارة:
"سر الملاحظة الجيدة هو ان تكون محددة"
ولهذا اوصي بالتالي:
· حدد -بعد تفكير وتأني- جانب من جوانب ذاتك وشخصيتك ترغب في ان تكون اوعى به، مثلا: كيف تتصرف في المواقف الجماعية التي تسبب لك توتر شديد كتقديم محاضرة او عرض تقديمي اما فريق العمل.
· والان، فكر في الشخص المناسب والذي يعرفك جيدا بخصوص هذا الجانب الذي تريد رفع مستوى وعيك فيه، وتأكد أنك تثقب به وتعتقد انه يحمل لك نوايا حسنة في قلبه.
· اطلب منه ملاحظة محددة عن سلوكك في مثل هذا الموقف، فاذا كان رئيس فريق العمل فبدلا من ان تسأله سؤلاً عاما مثل "كيف تقييم عملي" قل له "أقوم بتطوير ادائي في تقديم العروض التقديمية امام فريق العمل، هل لديك ملاحظات على وجه التحديد في تقديمي للعروض التقديمية؟ فالتحديد هنا يمكن الشخص الاخر من اعطائك ملاحظات صادقة.
· واخيراً، -وهو الأكثر تحديا- من الضروري ان توطن نفسك على تقبل الملاحظات، لأنك اذا استجب لها بشكل دفاعي، فهذا لن يشجع الاخرين على اعطائك ملاحظات صادقة في المستقبل.
كيفية تحليل ردود الأفعال لزيادة الوعي الذاتي
ثم بعد تلقيك للملاحظات، فكر في الأسئلة التالية:
1- ما الذي يخيفك في طلب الملاحظات؟
2- كيف كان تقديم الملاحظات في عائلتك؟ وكيف تعتقد ان ذلك أثر في علاقتك مع تلقي الملاحظات (طلبا او تقديما او تلقياً).
3- لو لم يكن لديك خوف او قلق من الملاحظات، فأي الجوانب في شخصيتك تحب ان تتلقى عنه ملاحظات؟ وماذا يعني ذلك في رأيك؟
4- من هو الشخص المهم في حياتك الذي قد يستفيد من تقديمك للملاحظات له؟ لماذا لم تقدم له هذه الملاحظات؟
5- في أي جانب من جوانب حياتك تحتاج الى سماع الملاحظات عنه أكثر من غيره؟
قبل ان انتهي، اود تقديم نقطة أخيرة بشأن علاقة الوعي الذاتي بتلقي الملاحظات المتعمدة، وهي:
"لا ينبغي للوعي الذاتي ان يكون مشروعاً فردياً"
يعتقد معظم الأشخاص ان الوعي الذاتي هو شيء تمارسه بمفردك بالتأمل والاستبطان الذاتي او كتابة اليوميات، لكن في واقع الحال تكاد تكون أعظم الرؤى والإنجازات في مجال الوعي هي نتيجة استعدادنا للانفتاح على الاخرين والصدق معهم.
قد يكون صديق او الزوج/ة او المدير في العمل او مدربك الشخصي.
شاهد فيديو عن تقبل ردود الفعل
خطوتك التالية:
هناك جانب اخر مهم جدا في الوعي الذاتي لم اتطرق له في هذا المقال، وهو توضيح قيمك الشخصية -أي المبادئ والمثل العليا التي تهتم له أكثر من غيرها في الحياة، وتستخدم في توجيه قراراتك.
قد يبدو هذا الامر مخيفا بعض الشيء، لأننا مرتاحون من التفكير في هذا الجانب، فمعظمنا لا يفكر بجدية فيما يحمله من القيم الشخصية ويكتفي عما تعلمه من القيم العامة والعالمية.
إذا كان لديك فضول لاكتشاف قيمك الشخصية، فقد جمعت لك مجموعة من الخطوات العملية في مقال اخر بعنوان: كيف توضح قيمك الشخصية.