الغموض والوضوح: وعي العلاقة الزوجية
عندما لا تكون "أنا بخير" تعني انها بخير، ولا انا قارئ أفكار.
المقالات
مصطفى حمد
5/2/20251 min read


كانت أصوات الملاعق على الأطباق تُشبه عزفًا عشوائيًا لبيانو مكسور. في تلك الليلة، بينما كانت عيناها تشبهان بحيرتين جليديتين تحت الضوء الذهبي، سألتها:
"هل أنتِ بخير؟"
فأجابت بسرعة كمن يلتقط قدح زجاجي قبل أن يسقط:
"أنا بخير."
ثم ابتسمت، لكن ارتعاشة شفتيها أخبرتني أنها تكذب.
لو كنتُ أقرأ وجهها ككتاب مفتوح، لرأيتُ الظل الأسود تحت جفنيها… أثر يومٍ أثقل كاهلها بكلمةٍ جارحة من مديرها في العمل، أو نظرةٍ من أمها علقت في فمها كشوكة.
لكنني التهمتُ لقمةً ساخنة حرقت لساني… وكأنني أُعاقب نفسي لأني أعرف أنني أتهرب.
لم أكن أعلم أن صمتها كان يخفي أكثر من مجرد تعب.
قبل أسابيع، كانت تُقلّب صفحات كتالوج مجوهرات، وأصابعها تتوقّف عند قلادة الذهب الوردي كفراشة تختار زهرة.
أرسلتْ لي صورتها على الواتساب بكلمة:
"جميلة، أليس كذلك؟"
ورددتُ بقلب وعقل مشغول:
"نعم، جميلة."
لم أفهم أنها كانت تصرخ:
"هذه لغتي… اقرأني!"
في عيد ميلادها، قدّمتُ لها ساعةً فاخرة. ابتسمت وقالت:
"شكرًا."
لكن عينيها تحدثتا بلغة أخرى:
"ألم ترَني؟ ألم تسمعني؟"
كانت الساعة كمن يغرس علمًا في أرضٍ خاطئة… رمزًا لجهلي بجغرافيا قلبها.
ربما لهذا، كنا نلعب لعبةً خطيرة دون أن ندري:
هي تختبر إن كنتُ أفهم إشاراتها كشفرة مورس،
وأنا أتظاهر بفكّ الرموز بينما أحملق في خريطة بلا مفتاح.
مرةً قالت لي ضاحكة:
"أتعلم أنني أعرف ما تشعر به من حركة حاجبك؟"
لكنها نسيت أنني لستُ مرآتها.
أنا أقرأ العالم بالمنطق ككتاب فيزياء، أما هي فتراه قصيدةً مليئة بالاستعارات.
كنا كمسافرين في بلدٍ غريب… نتشارك الحب كجواز سفر، لكننا ننسى تعلّم أبجدية لغة بعضنا.
وذات ليلة، بعد صمتٍ طويل كالذي يسبق الأعاصير، انفجرت دموعها فجأةً كسحابةٍ كانت تخبئ مطرًا لسنوات.
قالت:
"عندما أقول 'أنا بخير'… فهذا يعني 'أحتاجك أن تمسك يدي'."
اعترفتُ لها:
"وعندما أُهديك شيئًا لا تُحبينه… فأنا أصرخ 'أخبريني كيف أُسعدك'."
في تلك اللحظة، بدأنا نكتب قاموسنا العاطفي الأول:
هي تضعُ كلماتٍ على مشاعرها كما تعلق ملاحظاتٍ على الثلاجة، وأنا أتعلمُ أن أقرأ الصمت بين السطور.
اليوم، نضحك على ذكريات سوء تفاهمنا كمن يروي قصص أخطاء طفولته.
نعلم أن الألم سيعود كضيفٍ ثقيل…
لكننا حملنا مظلة "الوضوح" في كل حوار.
هي ما زالت تترك لي تلميحاتٍ عن هداياها، لكنها الآن تُرفقها برسالة:
"قلادة ذهب وردي، المقاس ١٨… لأنك لستَ عرّافًا، بل زوجي الذي يُحب أن يُسعدني."
وأنا ما زلتُ أتعثر أحيانًا في قراءة نظراتها… لكنني صرتُ أسأل:
"ما الذي لم تقلْه اليوم؟"
وأحيانًا، تكون الإجابة مجرد عناقٍ طويل… لأن بعض المشاعر أكبر من أن تُختزل في كلمات.
💡 خلاصة:
الحب الواعي ليس جبلًا من الرومانسية… بل شجرة تُسقى بالصراحة والفضول.
- له: لا تخف من أن تسأل مرتين… فالسؤال الثاني قد يفتح بابًا كان مغلقًا بألف قفل.
- لها: لا تتركيه يُترجم صمتك وحده… فالكلمات أحيانًا هي أعظم هدية.
- لكما: تذكّرا أن الحب الناضج يجرؤ أن يقول:
"لم أكن أفهم… لكنني أرغب في التعلّم."
وكما قال الإمام عليّ (عليه السلام):
"قلْ خيرًا تُعرف به...، ولا تكن مجهولًا..."
لأن في الصراحة، معرفة، وفي المعرفة، نجاة.