بركات الوعي ولعناته

المقالات

مصطفى حمد

3/18/2025

في براري روحي وصحراء ذاتي.. لن ينبت فطر الوعي من دون برق ورعد.. -مصطفى حمد

كلما ازداد وعينا بذواتنا تزداد معاناتنا مع الالم اللذيذ.. وكلما تعمقت بصيرتنا بأنفسنا تعمقت مشاعرنا الموحشة المؤنسة..
لا تندهش.. فالمعاناة والآلام ليست سيئة مطلقاً، بل بعضها لذيذ.. والمشاعر الصعبة ليست شريرة وموحشة على طول الخط بل يمكنها ان تجعلنا في حالة انس وانشراح.
واليك ٩ حالات تعيش فيها المعاناة واللذة، والوحشة والانس معاً، فمع الوعي الذاتي انت ملعون ومبارك في ذات الوقت:

1- عندما تمتلك نظرة ثاقبة وبصيرة عميقة لن يتوقف عقلك عن التجوال في غياهب نفسك والعالم.. فتصبح مبارك وملتزم بالنمو الشخصي.
وفي نفس الوقت سيستمر هذا التجوال، يستمر، ويستمر حتى تحترق في النهاية او تموت.. فلن يهدأ عقلك ولن يرتاح وهو يرى الصراعات البشرية اللانهائية.. ويتساءل دائماً "لماذا يفعل الناس ما يفعلونه ببعضهم وبأنفسهم؟" فتحل عليك لعنة الوعي، بينما الاخرون يعيشون في جهل سعيد.
2- انت تعيش في حفل من المحفزات المتراشقة، فانت لا تعي ذاتك فقط، بل ستعي كل من هو حولك كذلك، فترى هذا يشعر بالإهمال ومن يشعر بالحزن واخر غاضب من اخر.. فالناس جميعاً مكشوفون امامك، فهذه نعمت الوعي اللامحدودة.
وفي ذات الوقت العيش في وسط احتفالي وكثرة المحفزات يمكن ان يكون مستنزفا ومرهقا للغاية إذا كان مستمراً، جرب ان تلتقي مع اصدقائك المقربين الذين تحفظهم عن ظهر قلب او ان تحضر اجتماعاً مع زملائك في العمل الذين تعرفهم جيداً، باعتقادك كم من الوقت يمكنك ان تتحمل استنزاف وارهاق مثل هذه المواقف إذا استمرت أيام واسابيع؟! كيف إذا كان ذلك دائماً؟!

3- سوف تكون جيداً جداً في تتبع أفكار الاخرين، فكل تصرف مؤذي من أي شخص تجاهك يكون مكشوف بشكل مسبق امامك، وقد تتعامل مع مثل هؤلاء الاشخاص بتعاطف الى حد ما –" اوه لقد مروا بوقت صعب، لا داعي للانزعاج منهم"، وهذا يجعلك صديقاً عظيماً.
لكنه في نفس الوقت يسمح للكثير من الأشخاص ان ينفذوا بمواقفهم السيئة حتى من دون ان يدركوا سلوكهم المؤلم لك، لان سرعة تقييمك للموقف بتعاطف قد يفوت عليك الوقت لمواجهتهم بإساءتهم، بل قد تنسى سريعاً حتى سبب انزعاجك منهم من أصل.

4- عندما تشعر بالألم او الحزن او الإحباط، فعقلك يتعامل مع جميع هذه المشاعر بسرعة فائقة، وتفكر فيها بمنطقية كبيرة حتى أنك قد لا تشعر أنك قد مررت بها من المقام الاول، وهذه نعمة بالنسبة للمشاعر السيئة.
ولكن ماذا عن المشاعر السارة والسعيدة؟!، فعقلك سوف يتعامل مع كل أنواع المشاعر على نفس المنوال، وتمر لحظات السعادة والفرح كان لم تكن، فمنطقيتك المفرطة قد لا تسمح لك بالشعور باي مشاعر، في الأساس انت ربوت.

5- وعيك يمكنك من الدخول عميقاً في تلافيف دماغك لتعيد ترتيب الأفكار والمفاهيم والخروج بمنظورات جديدة تماماً وقوية جداً، حول نفسك وبشأن العالم من حولك ايضاً، وهذه قابلية مهمة لتعيد تفسير الحياة والكون.
الا ان تفسيرك للحياة من منظورك هذا قد يجعلك ترفض الواقع في الكثير من الأحيان ولا تتقبله، فالحياة معقدة ومتشابكة، والمصالح والرغبات متضاربة ومتعاكسة، وقد لا تناسب مع ما تريد ان تخلقه من واقع من منظورك ورؤيتك، هذا يجعلك تبدو طائشاً في نظر الكثيرين.

6- ليس لديك أسهل من بناء وتوثيق علاقاتك، فانت مستمع جيد وصديق لطيف، تتعامل بشفافية كاملة مع الجميع، تشم عواطف الاخرين ونواياهم كما تشم الهواء، ومن يحب التلاعب او اللف والدوران فلن تكون الشخص المناسب لينجو بفعلته معك.
الا ان البعض قد لا يحبون التواجد معك، خوفا من كشف اسرارهم وفضح خفاياهم، ففي مقابل شفافيتك في التعامل يشعر المقابل بان عليه ان يبادلك ذلك، وهو امر مقلق لأولئك الذين يفضلون الخصوصية، ومرعب لمن يعيشون على هشاشة المجتمعات بالحيلة والفهلوية -وهم كثر-.

7- جميع المشتتات والملهيات السطحية مملة لديك، فعقلك المفرط النشاط يعطي الأولوية لمعرفة ما انت عليه وكيف يفكر الناس ويتصرفون، فلا تغريك منصات التواصل الاجتماعي الا للبحث والتنقيب، ولم يعد يجدي معك التأمل والاسترخاء لكونك تراه مضيعة للوقت ليس الا.
وفي نفس الوقت انت تعلم أنك عالق في التفكير المفرط نوعا ما، وقد تفضل اجراء تدخل جراحي في فصي الدماغ لترتاح قليلاً، الجميع يستطيع تشتيت انتباهه وتخفيف دوامة أفكاره بالنوم او الاسترخاء او المشي واشياء أخرى يفعلها الناس ليهدئوا ويسترخوا، الا انت.

8- عتبتك منخفضة بكل حساسية ورحمة امام الأشخاص الذين لا يملكون وعي بحقيقة أنفسهم، تشعر بانك سائق حافلة النضال على طريق رحلة الوعي الطويلة، بل قد تستخدم الحب بكل قسوة لأنك تريد ان تحررهم من سطوة نزوات مشاعرهم الجامحة.
وفي نفس الوقت فان الألم الذي تشعر به، وعدم فهم وتمييز نفسك عن تجارب الاخرين ومشاعرهم يمكن ان يدمر حياتك ويحرقك بالكامل، فما تريد ان تحررهم منه تقع فيه بدورك، فتكون ضحية مشاعرك الجامحة وحبك القاسي.

9- لن تعيش دور الضحية اطلاقاً، فانت تشعر بمسؤوليتك عن كل ما تقول او تفعل، وتتحمل التزاماتك وتؤدي واجباتك بكل صدق وإخلاص، وهذا يعتبر شيء رائع حيث نعتمد على أنفسنا في حل جميع مشاكلنا ونتغلب على جميع التحديات بأنفسنا من دون اشراك أي أحد اخر، لا من حيث المسؤولية ولا من حيث الالتزامات.

وفي ذات الوقت فانت الان تشعر بضغط رهيب بسبب شعورك بالمسؤولية عن كل شيء، وانك مكلف شخصيا بإصلاح جميع الأمور بنفسك، مما يجعلك تشعر بالعزلة وان العالم بأكمله ضدك، فوفق هذا المنظور سيكون الجميع مبرئين من المسؤولية وليسوا مخطئين، لذا عليك ان تسمح للأخرين في الدخول وتسمح للربوت ان يكون انساناً.