لعبة الوعي الذاتي

كيف تكتشف الحلقات الخفية بين الشعور والسلوك؟

المقالات

مصطفى حمد

4/21/20251 min read

تخيل أن أحد أصدقائك أرسل لك رسالة تقول:

سلام، شوف هذه الدراسة: الرياضة تخليك غني! (مع رابط مرفق)

ترفع حاجبيك بشك، لكنك تضغط على الرابط. تكتشف أن الدراسة تقول فعلًا: من يمارسون الرياضة خمس مرات أسبوعيًا يحصلون — في المتوسط — على دخل أعلى من غيرهم.

فهل يعني ذلك أن ممارسة الرياضة هي التي جعلتهم أغنياء؟

ليس بالضرورة. بل ربما العكس هو الصحيح: من يمتلكون دخلًا أعلى، غالبًا لديهم وقت وموارد أكثر لممارسة الرياضة.

هذا مثال واضح على ما يُعرف علميًا بـالسببية العكسية حين نرى رابطًا بين (أ) و(ب)، فنفترض أن (أ) يسبب (ب)، متجاهلين احتمال أن (ب) هو من يسبب (أ).

لكن ما علاقة هذا بالوعي الذاتي؟

في الحقيقة، هذه القاعدة لا تنطبق على المال والرياضة فقط، بل تنطبق بشكل أعمق على كيف نفهم أنفسنا، مشاعرنا، وسلوكياتنا.

🔁 حين تَخلق الأفعال صورتك عن نفسك

تخيل أنك تعتقد أنك "كسول" لأنك تؤجل المهام دائمًا، فتلوم نفسك على ضعف الإرادة.

لكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟

ماذا لو أن تأجيلك للمهام هو ما جعلك تصدق أنك كسول؟
بل وماذا لو كان التأجيل نفسه نتيجة لسبب آخر، كالإرهاق أو الخوف من الفشل؟

هنا يظهر دور السببية العكسية في تشكيل هويتك دون أن تلاحظ. بدلًا من أن تكون أفعالك انعكاسًا لذاتك، قد تكون أفعالك هي من يصنع صورتك عن نفسك.

🔍 عدسة الوعي الذاتي: انظر داخل نمطك لا خارجه

الكثيرون يظنون أن الوعي الذاتي مجرد مفهوم فلسفي أو رفاهية ذهنية.
لكنه في الواقع:

- مهارة حياتية حيوية

- الفرق بين أن تعيش في دوامة ردود الأفعال، أو أن تعيش حياة تقودها بوعي

- اللحظة التي تنتبه فيها لنمط تكرر أكثر من اللازم

- قرارك أن تتوقف، تلاحظ، وتعيد اختيارك

الوعي الذاتي لا يعني فقط أن "تعرف ما تشعر به"، بل أن تفهم كيف تتفاعل مشاعرك وأفكارك وسلوكياتك مع بعضها البعض.

🔄 حلقات مخفية بين الشعور والسلوك

دعنا نطبّق هذا المبدأ على بعض المواقف اليومية التي نخطئ فيها في تفسير السبب والنتيجة:

- هل تشعر بالقلق لأنك غير آمن، أم أنك غير آمن لأنك قلق؟

- هل تؤجل عملك لأنك مشتت، أم أنك مشتت لأنك تؤجل؟

- هل تفشل لأنك تخاف من الفشل، أم أنك تخاف لأنك فشلت؟

- هل تفكر كثيرًا لأنك مكتئب، أم أنك مكتئب لأنك تفكر كثيرًا؟

- هل تعزل نفسك لأنك وحيد، أم أنك وحيد لأنك تعزل نفسك؟

- هل تسعى لإرضاء الناس لأنك تتجنب الصراع، أم العكس؟

- هل تستسلم لأنك غير منضبط، أم أنك غير منضبط لأنك تستسلم؟

- هل تعاني من متلازمة المحتال لأنك تشك في نفسك، أم أنك تشك لأنك تعاني منها؟

الجواب؟ غالبًا: كلاهما.
لكن ما يمكنك التحكم فيه فعلًا هو السلوك، لا الشعور.

🧪 تمرين تطبيقي: اكتشف السببية العكسية في حياتك

1. حدد موقفًا يوميًا مألوفًا:
مثال: "كلما ازدحم جدولي، قلّ إنتاجي."

2. اسأل نفسك:

- هل الازدحام هو ما يقلل الإنتاجية؟

- أم أن التسويف (وقلة الإنتاجية) يسببان الازدحام لاحقًا؟

3. اختبر الفرضية:
نظم وقتك لمدة أسبوع. راقب، لا تفسّر. هل قلّ الازدحام فعلًا؟

ستفاجأ أحيانًا بأنك كنت ترى النتيجة وكأنها السبب!

🎯 السلوك مفتاح الشعور

لا يمكنك دائمًا تغيير ما تشعر به مباشرة، لكن يمكنك مراقبة سلوكك وتغييره.

حين تؤجل مثلًا، اسأل:

- هل أنا مشتت فعلًا؟ أم أهرب من مهمة معينة؟

- ماذا أشعر قبل التأجيل؟ وماذا أشعر بعده؟

- ماذا لو جربت مواجهة صغيرة بدلاً من التأجيل الكامل؟

كل سلوك، حتى لو بدا عشوائيًا، يحمل مفتاحًا لفهم أعمق عن نفسك.

🚫 لا تفسّر... لاحِظ

الوعي الذاتي لا يعني التحليل الزائد.
أحيانًا، التحليل نفسه يصبح وسيلة للهروب.

بدلاً من أن تسأل: "لماذا أشعر بالخوف؟"
اسأل: "ماذا أفعل حين أشعر بالخوف؟ وهل أستطيع تغيير هذا الفعل؟"

لأن السلوك هو المتغير الوحيد الذي يمكنك التأثير فيه فورًا.
ومع الوقت، قد يبدأ شعورك في التغيّر أيضًا.

🧠 الخلاصة:

- لا تقع في فخ السببية العكسية بين الشعور والسلوك.

- استخدم وعيك الذاتي كمفتاح لفهم الحاضر، لا فقط لتحليل الماضي.

- ركز على ما يمكنك فعله الآن، لا ما كنت تشعر به أمس.

- راقب، جرّب، لاحِظ، وكن فضوليًا حيال نفسك.

في نهاية المطاف، فهمك لنفسك يبدأ من ملاحظتك لنفسك.
فما السلوك الذي كنت تظنه نتيجة... وهو في الحقيقة السبب؟