رحلة داخل النفس: التفكر بين النفس اللوامة والنفس المطمئنة
رحلة من النقد الذاتي القاسي إلى التعاطف مع النفس، من خلال تأمل يجمع بين المفاهيم القرآنية والعلم النفسي. يتضمن المقال ورقة عمل تفاعلية تساعدك على تطبيق التمرين عمليًا.
مصطفى حمد
5/12/20251 min read


حين صرخت سارة -الام الثلاثينية- على طفلها بعد يوم عمل مرهق وتعب من زحام الطريق، لأنه سكب كوب العصير على الاريكة.. لقد انفجرت غاضبة دون ان تشعر..
في لحظة، خفت صوت الغضب، وعلت موجة اشد قسوة: جلد الذات.
"انت ام فاشلة.. لا تستحقين اطفالك.. لماذا لا تستطيعين السيطرة على نفسك؟!..
جلست سارة تلك الليلة تبكي بصمت، لا بسبب الموقف، بل بسبب صوتها الداخلي الذي استنزفها أكثر من أي اجهاد خارجي..
مثل هذ الموقف، نعيشه جميعا، وان اختلفت تفاصيله من شخص الى اخر، فنحن لا نعاني من الخطأ فقط، بل من طريقة مخاطبتنا الخاطئة لأنفسنا.
✦ لماذا نفعل ذلك؟
عرف القرآن الكريم ثلاثة أنماط للنفس:
· النفس الأمارة بالسوء: تدفع إلى الخطأ دون وعي.
· النفس اللوامة: تلك التي تؤنبنا بقسوة أحيانًا بعد الخطأ.
· النفس المطمئنة: النفس التي تسكن بعد المصالحة، والتي ترتقي من جلد الذات إلى التعاطف معها.
وهنا نرى تقاطعًا دقيقًا مع مفاهيم علم النفس
✦ ماذا يقول العلم؟
الدكتورة كريستين نيف (Neff, 2003) تشير إلى أن في الإنسان نظامين تطوّريين:
- نظام الدفاع ضد التهديد (الناقد الداخلي): يتجلّى في القتال، الهروب، الجمود أو جلد الذات.
- نظام الرعاية والتعلق (المدرب الداخلي): يُفعّل عبر اللطف، التفهم، والدعم الداخلي.
الأول يطلق الكورتيزول والأدرينالين، مسبّبًا التوتر والضغط النفسي، بينما الثاني يُفعّل الأوكسيتوسين، ويغذّي مشاعر الأمان والهدوء.
✦ ما الحل؟ هل يمكن أن نغيّر هذا الصوت القاسي؟
الحل لا يبدأ بكتم صوتك أو التظاهر بالقوة، بل يبدأ بـ التفكر... أو كما تسميه أدوات علم النفس الحديث: التأمل الواعي.
في القرآن الكريم، دُعي الإنسان إلى "التفكر" و"التدبر"، لا بهدف الاجترار، بل للوصول إلى بصيرة تعينه على إدراك ما في نفسه. يقول تعالى:
"أفلا يتفكرون في أنفسهم" الروم، الآية 8.
✦ كيف ننتقل من الناقد إلى المدرب الداخلي؟
هنا يأتي دور ورقة العمل التأملية التي طوّرناها.
إنها تمرين عملي يساعدك على:
· ملاحظة متى يظهر ناقدك الداخلي.
· فهم أثره عليك.
· استحضار صوت داخلي أكثر دعمًا ورعاية.
· التحول من “نفس لوامة” إلى “نفس مطمئنة”.
⬅️ بإمكانك تحميل الورقة التفاعلية الآن من هنا
✦ ختامًا...
الرحمة ليست قيمة نمنحها للآخرين فقط، بل هي أيضًا مهارة نحتاج أن نتعلم توجيهها نحو أنفسنا.
والوعي ليس لحظة تأملية فقط، بل باب واسع لشفاء النفس وتجددها.
دع صوتك الداخلي لا يكون قاضيًا قاسيًا... بل رفيقًا صادقًا.